BLOGGER TEMPLATES - TWITTER BACKGROUNDS ?

الجمعة، 26 سبتمبر 2008

حتى إن بيعا في نفس المكان

شاب أسمر ذو شعر أسود بلون الليل في نهاية الشهر العربي تتدلى إحدى خصلاته على عينيه البنيتين فيرفعها بإستمرار ، ذو قامة و جسم كتوسط ؛ فهو ليس بالطويل و ليس بالنحيف ، يرتدي منامة لونها بيج داكن إلى حد ما و ينتعل النعل الذي يستخدمه في دخول الحمام.

كان يتجه إلى أحد مطاعم المأكولات السريعة المقابل للحرم الجامعي ، و هو مطعم مثل معظم مطاعم القاهرة للوجبات السريعة يجمع بين المأكولات الشعبية و المأكولات الراقية معاً و من السهل أن تجد شطائر الفول بجوار شطائر الهامبورجر .

كانت الشمس قد غابت عن الأنظار و ظهر البدر في السماء مختالا و بعد مداولات كثيرة مع زملاؤه في المدينة الجامعية على من يحضر الطعام إنتهت للأسف بما لا يحبذ و لا يريد ؛ تحالف كل زملاؤه ضده لتوريطه في عملية الذهاب إلى المطعم لإحضار ما لذ و طاب من الفول و الفلافل و بعض المخللات و السلطات لعمل وليمة ينقضوا عليها لتساعدهم على وصل النهار بالليل لإستذكار أكبر قدر ممكن ، و رغم أنه كان ينام في العاشرة مساءً و لا ذنب له في عدم قدرة زملاؤه على الإكتفاء بعشاء المدينة لكنه كان مجبر على ذلك حتى لا يتهم بالتعالي و عدم مساعدة الآخرين و أنه لا يصلح إلا للنوم كما يرددون .

و لكنه حقا كذلك ، ليس متعالياً بل لا يصلح إلا للنوم فضلا عن أنها التاسعة و النصف و قد حان ميعاد نومه و لكن من يأبه بذلك،
و لقد كان من هواة تناول العشاء قبل النوم مباشرة لذى ما كان يتناول العشاء بمطعم المدينة و كان ينتظر عشاؤهم الثاني لكي يتناول معهم عشاؤه الأول و ينام، و بما أنه كان يأكل معهم كل مرة و لا يتكلف سوى ثمن ما يأكل و كانوا هم يتناوبون مهمة إحضار العشاء لذى وجب عليه الخروج هو هذه المرة ، فمحمد مريض لا يقوى على الحراك (لكنه يقوى على الأكل بالطبع) و علي لديه إختبار هام في صباح الغد و عمرو من نفذ المهمة في البارحة لذى لابد من توريطي.

هاهو الآن يسير مسرعا في الطرقات لكي لا يراه أحد و كأنه قد صنع جرماً أو أن الشيطان نفسه يتعقبه ، كان يظن أن جميع الناس تركوا كل شيء لكي ينظروا إليه و تتبعه أعينهم أينما ذهب . فهاهو سائق الأتوبيس يوقف الأتوبيس لينظر إليه و كذا صبي المقهى و هذا هناك أوقف سيارته و خرج منها ليراه بصورة أفضل .

ظل هكذا يسير و هو يردد أسماء ما سيشتري كالطفل الصغير الذي تبعثة للشراء فيكرر ما طلبته منه طوال الطريق خشية أن ينسى و هكذا فعل هو : " علبتين فول - علبتين سلطة - بإتنين جنيه فلافل - بتلاتة جنيه بطاطس ... علبتين فول - علبتين سلطة - بإتنين جنيه فلافل - بتلاتة جنيه بطاطس ... علبتين فول - علبتين سلطة - بإتنين جنيه فلافل - بتلاتة جنيه بطاطس .........."
و هكذا ظل يردد و يردد حتى تاه عن الدنيا كلها و أصبح لا يرى إلا هذه الطلبات تسبح من حوله ، فجأة أفاق من غفلته ليجد نفسه على بعد ملليمترات من فتاة ترتدي نظارة لا تقلل من جمالها شيء بل تزيدها جمالاً فيحاول أن يتفادى الإصطدام بها لكن بعد فوات الأوان ، في أقل من ثانية كان قد إصطدم بها لتسقط كتبها على الأرض فيسمر في مكانه و يغوص في عالم من الخواطر عن ما سيلاقيه من سباب من قبيل " مش تفتح يا أعمى" أو " مش تمشي كويس .. أنا مش عارفة البلاوي دي بتيجي منين" و لن يقتصر الأمر على ذلك بل ربما يأتي بعض الشبان الذين يريدون أن يظهٍروا مدى قوتهم ليكون هو مقياساً لها و يبدؤا بقذفه بالكلمات التي هي أقسى عليه من اللكمات كــــ "إنت إنسان معندكش نظر " أو " مش تفتح يا مان" أو " مش تبص قدامك .. إنت مبلبع إيه على الصبح" ( مع العلم أنها العاشرة مساءً ) و عندما أفاق من خواطره و نظر إلى عينيها وجدها مبتسمة و تقول له في هدوء : " أنا آسفة" يا إلهي هي التي تعتذر؟! هكذا فوجيء بإعتذارها و هو المخطيء فما كان منه إلا أن ساعدها في جمع حاجياتها و هو يعتذر لها و يخبرها أنه هو المخطيء و أثناء ذلك لاحظ إحدى الكتب التى تدل على أنها تدرس معه بنفس الكلية و لكنه لم يخبرها و إستأذن منها ليكمل مسيرته و إستمر في مسيرته و هو يفكر في هذا الملاك الذي قابله حت إنه إجتاز المطعم دون أن يدري و عندما أفاق وجد أنه ابتعد كثيراً عن المطعم فعاد إليه مسرعاً و هو يعرف ما سوف يحدث له من زملاؤه جراء تأخيره .

على باب المطعم ليجد ملاكه هناك و عندما رأته ابتسمت له و قالت بصوتها الأقرب إلى الألحان ممازحة " أنا لا أتتبعك .. ما هي إلا صدفة"
فأبتسم لها و دخلا معاً و وقفا معاً أمام الكاشيير و عندها تخيل منظرهما و هما يدخلان معاً إلى المطعم ، ياله من منظر فتاة في كامل زينتها ترتدي أفخر الثياب في صحبة شاب يرتدي منامة ، ثم بدأ يتوعد لزميله عمرو الذي أقنعه بالخروج بهذه الملابس و لم يسمح له بتغيير ملابسه بحجة أنهم جائعون و أن تغييره لملابسه سوف يستغرق وقت كثيرا لكن حمداً لله أنهم تركه يصفف شعره .

ظل صامتا يفكر في ذلك و بدأ قلبه يضخ كل الدم الذي في جسده إلى وجهه فقط و بدأت يتصاعد الدخان من أذنيه من شدة الخجل عندما أفاق على صوت الكاشيير الذي وجه كلامه إلى الفتاة بالطبع فأخبرته بطلباتها أو بـ "الأوردر" و كان مليء باللحوم من نوعية الشاورمة و الهامبورجر ثم أتى دوره ليخبره بطلباته المليئة بالفول و الفلافل ، ثم ذهبا معاً لمكان إستلام الطلبات و كان مزدحماً لذى بدأ معها الحديث عن الدراسة و الكلية و أخبرها حينها أنه يدرس بنفس الكلية لكنه في قسم آخر و متقدم عنها بسنتين و بعد أن حصلت على طلبها ودعته و إتفقا على اللقاء في الكلية .

في تلك الليلة لم يقوى على النوم و ظل يفكر بها و كأنه عشقها من أول نظرة و كأنه يحبها منذ سنين ، و عندما أتى موعد اللقاء في الكلية وجدها مع مجموعة من أصدقائها عرفته بهم و تحدث معهم قليلاً ثم انفردت به و بدأت تحدثه عن حياتها و مشكلاتها الأسرية و مشكلاتها مع بعض أصدقائها و مشكلاتها الدراسية و هكذا كلما تقابلا تحدثه عن الكثير من تفاصيل حياتها و حدثها هو كذلك لذى أحس أنها تبادله نفس المشاعر و أنها تفهمه و أنه ليس واهماً لكنه لم يقوى على مصارحتها لأنه لا يزال متخوف فهناك فرق شاسع بينها و بينه ، فهي من عائلة غنية و والدها رجل أعمال كما عرف منها و من أصدقائها لذى ظل متردد هل يخبرها أم لا ؟ لكن في احدى الأيام قرر أن يبوح لها و يخبرها بحبه له من أول لحظة .

في ذلك اليوم ارتدى أفضل ما لديه و صفف شعره جيدا و تعطر بعطر أخذه من محمد زميله بالغرفة في المدينة الجامعية و توجه إلى الكلية و هو عازم أن يصارحها و رغم قناعته أن الإنسان ليس بمظهره إلا أنه أراد أن يكون في أبهى صورة في أهم يوم بحياته ، ذهب إلى الكلية و حضر بعض المحاضرات لكنه لم يفهم شيئا لأنه ظل طوال المحاضرة يجهز ما سيقول لها و كيف يقوله و هل يصطحبها إلى أي مكان رومانسي ليبوح لها و هل يذهب بها إلى حديقة الحيوان أم حديقة الأرمان ؟! و هل ستقبل أن تذهب معه؟ تساؤلات كثيرة ظلت تدور في رأسه حتى وصل إلى المكان الذي تلتقي فيه بأصدقائها في الكلية و هناك وجد أصدقائها و لكنها لم تكن معهم فسألهم عنها فأجابته احدى الصديقات أن حفل خطوبتها اليوم و أنها حاولت الإتصال به لتدعوه لحضور الحفل لكنه لا يملك تليفون محمول و لم تره في اليومين الماضيين لتخبره ، رغم هول هذا الخبر عليه إلا أنه تماسك كي لا يظهر أي شيء فلا أحد يعرف شيء و من الأفضل أن لا يعرف أحداً شيء و لكي لا يظهر أن تضايق أو أن هناك أي تغير طرأ عليه قرر أن يظل قليلاً معهم ثم يحاول البحث عن حجة ليبتعد عنهم لينفجر وحيداً عندما قالت احدى الصديقات أن خطيب ملاكه هو ابن شريك والدها في الشركة فقال لربما كانت تبادلني نفس الشعور و كانت تشعر بي لكن عندما لم تجد مني أي رد فعل لم تمانع و وافقت على الخِطبة أو ربما مارس والدها عليها أي نوع من الضغط لتوافق لكنه لم يظل واهماُ لفترة أطول عندما قالت تلك الصديقة التي هي قريبة جدا لها أن هذه الخطوبة هي نتاج قصة حب طويلة ، لم يستطع الإنتظار أكثر إستأذن منهم و مشى مبتسما حزينا ؛ حزينا على ضياع حبه مبتسما على حماقته رغم أنه يعلم الفرق الشاسع بينه و بينها و أنه لا يمكن أكل الهامبورجر في ساندويتش فول حتى إن بيعا في نفس المكان .

1 التعليقات:

غير معرف يقول...

بسم الله الرحمن الرحيم _ اخي العزيز احمد ، تحيه كبيره لك و لقلمك المبدع . اعجبتني قصتك كثيرا _ ما شاء الله _ على الرغم من حزنها فقد استمتعت بها للغايه ، و لها مناقشه بعد حين ^_^ ، هذا فقط مرور سريع و سلمت يداك عليها menna )‎